Thursday, January 29, 2009

سيول (كوريا الجنوبية) - أحمد مغربي الحياة - 15/01/08//

سكرتير «اتحاد المسلمين الكوريين» عرض لـ «الحياة» تاريخ الحضور الإسلامي في بلاده ... كي عيسى: نسعى لفصل الإسلام عن صورة الارهاب ومدرسة «الأمير سلطان بن عبدالعزيز» تعلّم الاطفال


تباطأت حركة الباص أثناء عبوره الشارع الرئيسي لمدينة سيول، عند اقترابه من إحدى إشارات السير. تألف ركابه من صحافيين جاؤوا من الشرق الأوسط وإفريقيا في جولة نظمّتها إحدى الشركات الصناعية الكبرى في كوريا الجنوبية. ولاحظت أعين الركاب يافطة كبيرة عند إشارة المرور، كُتب عليها «مسجد سيول الكبير». وكأنما بفعل الصدفة المحضة، لاحظ هؤلاء أيضاً وجود مطعم يقدم اللحم الحلال وبجواره آخر يعرض الفلافل والشاورما الحلال أيضاً. وشكّل الأمر أكثر من هبة سخية للكثير من أعضاء ذلك الوفد، الذين تناقشوا مع مضيفهم كثيراً في شأن ما يستطيعون أكله من الأطباق الكورية. وامتنع هؤلاء عن أكل لحوم الدجاج والبقر، التي راعى مضيفوهم استحضارها، بالنظر الى احتمال ألا تكون ذبحت على الطريقة الإسلامية. وأظهر بعضهم تشدداً حتى حيال المأكولات البحرية وأثير سؤال عن استخدام زيوت ومشتقات من الخنزير في صنعها! ولذا، بدت مطاعم اللحم الحلال والفلافل الشرقية حلاً من صنع الصدفة لتلك «الأزمة»، التي دفعت البعض الى الاقتصار على الخضار المسلوقة والفواكه والرز المطهو على البخار والبيض المسلوق وأشباهها.
ولذا بدت كلمة «حلال»، المكتوبة باللغة العربية، فوق تلك المطاعم نوعاً من الحلّ غير المتوقع لتلك الأزمة.
وتوقف الباص متيحاً لمن يرغب من أعضاء الوفد زيارة المسجد الكوري. وسار هؤلاء في طريق متفرع من الشارع الرئيسي، ليعبروا الى تفرع آخر يحتل مدخل المسجد زاويته المطلة على مستديرة تلتقي عندها شوارع ضيقة ومتقاطعة. ومع الاقتراب من تلك المستديرة، يتغيّر المشهد تدريجاً، وتتقلص اليافطات التي تشير الى النوادي الليلية وأمكنة السهر، ولتحل محلها يافطات جمعت بين اللغتين العربية و «الهانغول» الكورية، تعلو مكتبات شبه متخصصة بالكتب الإسلامية ومطاعم الأكل الحلال ومحلات بقالة والأكشاك الصغيرة، إضافة الى «سوبر ماركت» رفع فوق مدخله لوحة احتوت أعلام الدول الإسلامية. وأوحى مظهر الشوارع عينها بأنها أقل ثراء، من الناحية الاقتصادية، مما يجاورها. وظهر الحجاب الإسلامي على إحدى العابرات، التي سارت قربها شابة حاسرة. وفي مدخل المسجد، الذي تعلوه سور قرآنية، باب خشب ثقيل تتوسطه حلقات معدن كبيرة.
ويقود الباب الى ممر اسمنتي ملتف يوصل الداخل الى فسحة واسعة، تظهر وكأنها غير متوقعة بالنظر الى مساحتها الكبيرة. وعلى طرفها مبنى بشبابيك زجاج كثيرة، ويلعب أطفال تحرسهم أمهات بملابس اسلامية. وترتفع على مدخلها يافطة تُبَيّن أنها «مدرسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز»، حيث تلقّن أصول الدين الحنيف لصغار من مسلمي كوريا الجنوبية. ومن ذلك الفناء، تظهر قبه المسجد الخضراء ومئذنته المتوسطة الارتفاع.
وتقود باحة أمام المدرسة الى سلم اسمنتي مرصوف ينتهي الى باب المسجد، الذي تسبقه ثلاثة أقواس وأعمدتها. وإذ يرتفع صوت الآذان من مآذن المسجد الأربع، التي تتوسطها قبّته، يقبل نفر غير كبير لإداء الصلاة في ميقاتها. ويتألف صحن المسجد من فناء كبير ومنبر، تبدو عليهما البساطة. وتتوزع دِكَك خشب خضر، بثلاثة رفوف، على جنبات الفناء وتضم نسخاً من القرآن الكريم وكتباً للأحاديث النبوية الشريفة وتفاسيرها وشروحها. واجتمع صفّ مفرد من المصلين قرب المنبر فأمّهُم مُلتحٍ بملامح شرق أوسطية ورتّل السُوَرَ المُنزّلة بعربية صافية.
وإذ هَمّ المصلون بالانصراف عقب الصلاة، برز الى الباب رجل بملامح كورية، متوسط العمر ويميل الى الامتلاء، وقد ارتدى بذلة أنيقة أظهرته بهيئة موظفي الدرجات العليا.
إنه كوان كون كي عيسى، سكرتير «اتحاد المسلمين الكوريين» Corean Muslim Federation وهو التنظيم الإسلامي الوحيد في هذه البلاد.
11/9 ورهائن أفغانستان وضررهما
مدرسة الامير سلطان بن عبد العزيز
يوضح كوان أن بلاده تضم تسعة مساجد، وأن العاصمة «سيول» لا تحوي سوى هذا المسجد، وأن كوريا الجنوبية تضم 40 ألف مسلم من أهل البلاد، يضاف إليهم قرابة مئة الف مسلم من خارجها. وبابتسامة دافئة، يعلن أنه لا يعرف من العربية سوى «السلام فقط». ويبيّن أنه تعرّف إلى الإسلام خلال دراسته الجامعية، حيث مال الى دراسة اللغات وتاريخها. ولم يكن يعرف شيئاً عن الإسلام. وعندما تعرّف إلى مبادئ الدين الحنيف، وجد نفسه مقتنعاً بها. ويبيّن أنه يربي أولاده على المبادئ الإسلامية في المنزل. ويوضح أنهم لا يتحدثون العربية، لا يذهبون الى مدرسة المسجد. ويُعرّف عن نفسه كرجل أعمال، إذ يمتلك شركة تجارية. ويتذكر بأسى الأثر السلبي الذي خلّفته أحداث 11/9/2001 على صورة الإسلام في كوريا، كما يوضح أن الاتحاد أصدر بياناً دان فيه ضربات الإرهاب في نيويورك وواشنطن، وشرح للكوريين أنها لا تمت الى الإسلام بصلة. ويعترف بأن ذلك لم يساعد كثيراً في تظهير الصورة الحقيقية للاسلام.
وقد أُسيء الى تلك الصورة مرّة أخرى بعد حادث اختطاف الرهائن الكوريين الجنوبيين في أفغانستان على يد مسلحي حركة «طالبان». ويعتقد بأن الشعب في كوريا الجنوبية لا يمتلك معرفة كافية بالدين الحنيف.
ويشرح أعمال «اتحاد المسلمين الكوريين» مبيّناً أن كوريا الجنوبية تضم 50 مصلىّ أنشئت بواسطة الجاليات الإسلامية من غير الكوريين. وعمل الاتحاد على تحويل مجموعة من المصليات (في مدن «إنشن» و «أنسان» و «كيمبو» و «ماتشن» و «بوتشن») إلى مساجد أو مراكز إسلامية. وينوّه بالمساعدات السخيّة التي تأتي من المملكة العربية السعودية لتعين الاتحاد في أعماله، التي تتضمن إدارة مدرسة «الأمير سلطان بن عبدالعزيز» التي تلقّن الأطفال القرآن الكريم وأصول الدين الحنيف في عمر مبكر، أي قبل دخولهم المدارس. ويرى أن المدرسة تؤسس لتجهيز قادة إسلاميين في كوريا.
ويخطّط الاتحاد لمجموعة من المشاريع المستقبلية تتضمن إنشاء مدرسة إسلامية عالمية، ومركز إسلامي للدعوة، وكلية إسلامية للتقنيات الحديثة، ومركز طبي لخدمة فقراء المسلمين. ويسترجع كوان التاريخ، فيُرجع علاقة المسلمين مع كوريا الى القرن السابع الميلادي في زمن مملكة «شيلا»، التي وصفتها بعض المخطوطات العربية بأنها «البلد الذهبي». وظهر المسجد الأول في منطقة «كاي كيونغ» في زمن مملكة «كوريو»، التي حكمت بين القرنين العاشر والرابع عشر. ومارست تلك المملكة التجارة بانتظام مع العالم الإسلامي. واستمرت تلك العلاقات في زمن سلالة «جوسن» التي سادت البلاد بين أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن العشرين. وزوّدها المسلمون بالتقنيات المتقدمة في صناعة الأدوات المختلفة، وخصوصاً الأسلحة. ولم يُعترف بالإسلام حينها كديانة رسمية، لكن المسلمين مارسوا صلواتهم بصورة معلنة.
وفي مفارقة تاريخية لافتة، أدّت الحرب بين الكوريتين في أواسط القرن العشرين الى ظهور الإسلام كدين معترف به في كوريا. ولعب شيخان من الجيش التركي، الذي شارك في الحرب إلى جانب القوات الأميركية، وهما عبدالغفور وزبير قوتش، دوراً محورياً في دعوة الكوريين الى الإسلام. وينهي كوان عرضه التاريخي بالتنبيه الى أن أول تجمّع لمسلمي كوريا ظهر في العام 1955، وحمل اسم «هيئة المسلمين الكوريين»، فيما تأسس «اتحاد المسلمين الكوريين» عام 1967.
وتأسست «هيئة الطلاب المسلمين الكوريين» عام 1970. وكذلك بني «مسجد سيول الكبير» عام 1976، بفضل مساعدة سعودية سخيّة، إضافة الى مساهمة من الحكومة الكورية. وعام 1980، شيدت مساجد في مدن «بوسان» و «كوانجو» و «غينغو»، كما اتفقت الحكومتان السعودية والكورية على مشروع لإنشاء جامعة إسلامية في هذ البلد.